الخرائج : قال محمد بن يحيى ، قال يحيى بن أكثم في مجلس الواثق والفقهاء
بحضرته : من حلق رأس آدم حين حج ؟ فتعايا القوم عن الجواب ، فقال الواثق :
أنا أحضركم من ينبئكم بالخبر ، فبعث إلى علي بن محمد الهادي فأحضره ، فقال
: يا أبا الحسن من حلق رأس آدم حين حج ؟ فقال : سألتك يا أمير المؤمنين
ألا أعفيتني . قال : أقسمت لتقولن . قال : أما إذ أبيت فإن أبي حدثني عن
جدي عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله : امر جبرئيل أن ينزل بياقوتة من
الجنة ، فهبط بها فمسح بها رأس آدم ، فتناثر الشعر منه ، فحيث بلغ نورها
صار حرما . وقال محمد بن يحيى النديم ، حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : اعتل
المتوكل في أول خلافته فقال : لئن برأت لأتصدقن بدنانير كثيرة . فلما برأ
جمع الفقهاء فسألهم عن ذلك فاختلفوا ، فبعث إلى علي بن محمد الهادي فسأله
، فقال : تصدق بثلاثة وثمانين دينارا ، فعجب قوم من ذلك وتعصب قوم عليه
وقالوا : تسأله يا أمير المؤمنين من أين له هذا ؟ فرد الرسول إليه ، فقال
: قل لأمير المؤمنين في هذا الوفاء بالنذر ، لأن الله تعالى قال : * ( لقد
نصركم الله في مواطن كثيرة ) * فروى أهلنا جميعا أن المواطن في الوقائع
والسرايا والغزوات كانت ثلاثة وثمانين موطنا ، وأن يوم حنين كان الرابع
والثمانين ، وكلما زاد أمير المؤمنين في فعل الخير أنفع له وأجدى عليه في
الدنيا والآخرة . وقيل : إن أبا الحسن الهادي كان يوما قد خرج من سر من
رأى إلى قرية لمهم عرض له ، فجاء رجل من الأعراب يطلبه ، فقيل له قد ذهب
إلى الموضع الفلاني ، فقصده فلما وصل إليه قال له : ما حاجتك ؟ فقال : أنا
رجل من أعراب الكوفة المتمسكين بولاية جدك علي بن أبي طالب ، وقد ركبني
دين فادح أثقلني حمله ، ولم أر من أقصده لقضائه سواك . فقال له أبو الحسن
: طب نفسا وقر عينا ، ثم أنزله ، فلما أصبح ذلك اليوم قال أبو الحسن :
أريد منك حالة الله الله أن تخالفني فيها . فقال له الأعرابي : لا أخالفك
. فكتب أبو الحسن ورقة بخطه معترفا فيها أن عليه للأعرابي مالا عينه فيها
يرجح على دينه ، فقال : خذ هذا الخط فإذا وصلت إلى سر من رأى أحضر إلي
وعندي جماعة فطالبني به وأغلظ القول علي في ترك إيفائك إياه ، الله الله
في مخالفتي . فقال : أفعل . وأخذ الخط فلما وصل أبو الحسن إلى سر من رأى
وحضر عنده جماعة كثيرون من أصحاب الخليفة وغيرهم حضر ذلك الرجل وأخرج الخط
وطالبه وقال كما أوصاه . فألان أبو الحسن له القول ورققه له وجعل يعتذر
إليه ووعده بوفائه وطيبه نفسه ، فنقل ذلك إلى الخليفة المتوكل فأمر أن
يحمل إلى أبي الحسن ثلاثون ألف درهم ، فلما حملت إليه تركها إلى أن جاء
الأعرابي فقال له : خذ هذا المال فاقض منه دينك وأنفق الباقي على عيالك
وأهلك واعذرنا . فقال له الأعرابي : يا بن رسول الله والله إن أملي كان
يقصر عن ثلث هذا المال ، ولكن الله أعلم حيث يجعل رسالته . وأخذ المال
وانصرف . وكان السبب في شخوص أبي الحسن علي بن محمد من المدينة إلى سر من
رأى أن عبد الله بن محمد كان يتولى الحرب والصلاة بمدينة الرسول ، فسعى
بأبي الحسن إلى المتوكل ، وكان يقصده بالأذى ، وبلغ أبا الحسن سعايته فيه
، فكتب إلى المتوكل يذكر تحامل عبد الله بن محمد عليه ويذكر تكذيبه فيما
سعى به ، فتقدم المتوكل بإجابته عن كتابه ودعاه فيه إلى حضور العسكري على
جميل من الفعل والقول . فلما وصل الكتاب إلى أبي الحسن تجهز للرحيل ، وخرج
معه يحيى بن هرثمة حتى وصل إلى سر من رأى ، فلما وصل إليها تقدم المتوكل
بأن يحجب عنه في يومه ، فنزل خان الصعاليك فأقام فيه يوما ، ثم تقدم
المتوكل بإفراد دار انتقل إليها . وروي عن صالح بن سعيد قال : دخلت على
أبي الحسن يوم وروده فقلت له : جعلت فداك في كل الأمور أرادوا إطفاء نورك
والتقصير بك حتى أنزلوك هذا الخان الأشنع خان الصعاليك فقال : هاهنا أنت
يا بن سعيد ؟ ثم أومأ بيده فإذا أنا بروضات أنفات ، وأنهار جاريات ، وجنان
فيها خيرات عطرات ، وولدان كأنهن اللؤلؤ المكنون ، فحار بصري وكثر تعجبي ،
فقال لي : حيث كنا فهذا لنا يا بن سعيد ، لسنا في خان الصعاليك . وأقام
أبو الحسن مدة مقامه سر من رأى مكرما في ظاهر حاله ، يجتهد المتوكل بإيقاع
حيلة فما تمكن من ذلك . وقال مسلمة الكاتب : كان المتوكل يركب إلى الجامع
ومعه عدد ممن يصلح للخطابة ، وكان فيهم رجل من ولد العباس بن محمد يلقب ب
" هريسة " ، وكان المتوكل يحقره ، فتقدم إليه أن خطب يوما فأحسن . فتقدم
المتوكل يصلي فسابقه ونزل من المنبر عاجلا وجذب منطقته من ورائه وقال : يا
أمير المؤمنين من خطب يصلي . فقال المتوكل : أردنا أن نخجله فأخجلنا وكان
أحد الأشرار فقال يوما للمتوكل : ما يعمل أحد بنفسه ما تعمله بنفسك في علي
بن محمد ما يبقى في الدار إلا من يخدمه وتعينه بشيل الستر وفتح الأبواب ،
وهذا شئ إذا علمه الناس قالوا : لو لم يعلم استحقاقه الأمر ما فعل هذا به
، دعه إذا دخل يشيل الستر لنفسه ويمشي كما يمشي غيره فتمسه بعض الحفوة .
فتقدم المتوكل أن لا يخدم ولا يشال بين يديه ستر ، فكتب صاحب الخبر إليه
أن علي بن محمد دخل الدار فلم يخدم ولم يرفع له ستر فهب هواء فرفع الس